فصل: تفسير الآيات (219- 220):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (215):

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}
فإن قلت: كيف طابق الجواب السؤال في قوله: {قُلْ مَا أَنفَقْتُم} وهم قد سألوا عن بيان ما ينفقون وأجيبوا ببيان المصرف؟ قلت: قد تضمن قوله {ما أنفقتم مّنْ خَيْرٍ} بيان ما ينفقونه وهو كل خير، وبنى الكلام على ما هو أهم وهو بيان المصرف؛ لأنّ النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها. قال الشاعر:
إنَّ الصَّنِيعَةَ لاَ تَكُونُ صَنِيعَة ** حَتَّى يُصَابَ بهَا طَرِيقُ الْمصنَعِ

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه جاء عمرو بن الجموح وهو شيخ هِمّ وله مال عظيم فقال: ماذا ننفق من أموالنا؟ وأين نضعها؟ فنزلت.
وعن السدي: هي منسوخة بفرض الزكاة.
وعن الحسن: هي في التطوّع.

.تفسير الآية رقم (216):

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}
{وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} من الكراهة بدليل قوله: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا} ثم إما أن يكون بمعنى الكراهة على وضع المصدر موضع الوصف مبالغة، كقولها:
فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإدْبَارُ

كأنه في نفسه لفرط كراهتهم له. وإما أن يكون فعلاً بمعنى مفعول كالخبز بمعنى المخبوز، أي وهو مكروه لكم.
وقرأ السلمي- بالفتح- على أن يكون بمعنى المضموم، كالضَّعف والضُّعف، ويجوز أن يكون بمعنى الإكراه على طريق المجاز، كأنهم أكرهوا عليه لشدة كراهتهم له ومشقته عليهم. ومنه قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف: 15]، وعلى قوله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا} جميع ما كلفوه، فإن النفوس تكرهه وتنفر عنه وتحب خلافه {والله يَعْلَمُ} ما يصلحكم وما هو خير لكم {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ذلك}.

.تفسير الآيات (217- 218):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش على سرية في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين ليترصد عيرًا لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف، وكان ذلك أول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام شهرًا يأمن فيه الخائف ويبذعرّ فيه الناس إلى معايشهم فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم العير، وعظم ذلك على أصحاب السرية وقالوا: ما نبرح حتى تنزل توبتنا، وردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى، وعن ابن عباس رضي الله عنه: لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة. والمعنى: يسألك الكفار أو المسلمون عن القتال في الشهر الحرام. و{قِتَالٍ فِيهِ} بدل الاشتمال من الشهر. وفي قراءة عبد الله: {عن قتال فيه}، على تكرير العامل، كقوله: {لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: 75] وقرأ عكرمة: {قتل فيه قل قتل فيه كبير}، أي إثم كبير.
وعن عطاء: أنه سئل عن القتال في الشهر الحرام؟ فحلف بالله ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه، وما نسخت. وأكثر الأقاويل على أنها منسوخة بقوله: {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5]. {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله} مبتدأ وأكبر خبره، يعني وكبائر قريش من صدّهم عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وكفرهم بالله وإخراج أهل المسجد الحرام وهم رسول الله والمؤمنون {أَكْبَرُ عِندَ الله} مما فعلته السرية من القتال في الشهر الحرام على سبيل الخطأ والبناء على الظن أعما {والفتنة} الإخراج أو الشرك. والمسجد الحرام: عطف على سبيل الله، ولا يجوز أن يعطف على الهاء في {بِهِ}. {وَلاَ يَزَالُونَ يقاتلونكم} إخبار عن دوام عداوة الكفار للمسلمين وأنهم لا ينفكون عنها حتى يردّوهم عن دينهم، وحتى معناها التعليل كقولك: فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة، أي يقاتلونكم كي يردّوكم. و{إِنِ اسْتَطَاعُواْ} استبعاد لاستطاعتهم كقول الرجل لعدوّه: إن ظفرت بي فلا تبق عليَّ. وهو واثق بأنه لا يظفر به {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ} ومن يرجع عن دينه إلى دينهم ويطاوعهم على ردّه إليه {فَيَمُتْ} على الردّة {فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم فِي الدنيا والأخرة} لما يفوتهم بإحداث الردة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام، وباستدامتها والموت عليها من ثواب الآخرة. وبها احتج الشافعي على أن الردّة لا تحبط الأعمال حتى يموت عليها. وعند أبي حنيفة أنها تحبطها وإن رجع مسلمًا. {إِنَّ الذين ءامَنُواْ والذين هَاجَرُواْ} روي أن عبد الله بن جحش وأصحابه حين قتلوا الحضرمي، ظنّ قوم أنهم إن سلموا من الإثم فليس لهم أجر، فنزلت {أُوْلئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ الله} وعن قتادة: هؤلاء خيار هذه الأمّة، ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون. وإنه من رجا طلب، ومن خاف هرب.

.تفسير الآيات (219- 220):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
نزلت في الخمر أربع آيات نزلت بمكة {وَمِن ثمرات النخيل والاعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} [النحل: 67] فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال. ثم إن عمر ومعاذًا ونفرًا من الصحابة قالوا؛ يا رسول الله، أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال، فنزلت: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ومنافع لِلنَّاسِ} فشربها قوم وتركها آخرون. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناسًا منهم فشربوا وسكروا فأمّ بعضهم فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزلت: {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى} فقل من يشربها. ثم دعا عتبان بن مالك قوماً فيهم سعد بن أبي وقاص فلما سكروا افتخروا وتناشدوا حتى أنشد سعد شعراً فيه هجاء الأنصار فضربه أنصاري بلحى بعير فشجه موضحة، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافياً، فنزلت {إِنَّمَا الخمر والميسر} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا يا رب.
وعن عليّ رضي الله عنه: لو وقعت قطرة في بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذن عليها ولو وقعت في بحر ثم جف ونبت فيه الكلأ لم أرعه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: لو أدخلت أصبعي فيه لم تتبعني. وهذا هو الإيمان حقاً، وهم الذين اتقوا الله حق تقاته. والخمر: ما غلى واشتدّ وقذف بالزبد من عصير العنب، وهو حرام، وكذلك نقيع الزبيب أو التمر الذي لم يطبخ، فإن طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم غلى واشتدّ ذهب خبثه ونصيب الشيطان، وحلّ شربه ما دون السكر إذا لم يقصد بشربه اللهو والطرب عند أبي حنيفة.
وعن بعض أصحابه: لأن أقول مرارًا هو حلال، أحبّ إليّ من أن أقول مرة هو حرام، ولأن أخر من السماء فأتقطع قطعاً أحبّ إليّ من أن أتناول منه قطرة. وعند أكثر الفقهاء هو حرام كالخمر، وكذلك كل ما أسكر من كل شراب. وسميت خمرًا لتغطيتها العقل والتمييز كما سميت سكرًا لأنها تسكرهما، أي تحجزهما، وكأنها سميت بالمصدر من (خمرة خمراً) إذا ستره للمبالغة. والميسر: القمار، مصدر من يسر، كالموعد والمرجع من فعلهما. يقال: يسرته، إذا قمرته، واشتقاقه من اليسر، لأنه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كدٍّ ولا تعب، أو من اليسار. لأنه سلب يساره.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان الرجل في الجاهلية يخاطر على أهله وماله قال:
أقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إذْ يَيْسِرُونَنيِ

أي يفعلون بي ما يفعل الياسرون بالميسور.
فإن قلت: كيف صفة الميسر؟ قلت: كانت لهم عشرة أقداح، وهي: الأزلام والأقلام، والفذ، والتوأم، والرقيب، والحلس، والنافس، والمسبل، والمعلى والمنيح والسفيح، والوغد.
لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزؤنها عشرة أجزاء. وقيل: ثمانية وعشرين إلا لثلاثة، وهي المنيح والسفيح والوغد. ولبعضهم:
لِيَ في الدُّنْيَا سِهَامٌ ** لَيْسَ فِيهِنَّ رَبِيحُ

وَأسَامِيهِنَّ وَغْدٌ ** وَسَفِيحٌ وَمنيحُ

للفذ سهم، وللتوأم سهمان، وللرقيب ثلاثة، وللحلس أربعة، وللنافس خمسة، وللمسبل ستة؛ وللمعلى سبعة يجعلونها في الربابة وهي خريطة، ويضعونها على يدي عدل، ثم يجلجلها ويدخل يده فيخرج باسم رجل رجل قدحا منها. فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب المرسوم به ذلك القدح. ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئاً وغرم ثمن الجزور كله. وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها. ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه، ويسمونه البرم. وفي حكم الميسر: أنواع القمار، من النرد والشطرنج وغيرهما.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم وهاتين اللعبتين المشؤمتين فإنهما من ميسر العجم» وعن عليّ رضي الله عنه: أنّ النرد والشطرنج من الميسر وعن ابن سيرين: كل شيء فيه خطر فهو من الميسر. والمعنى: يسألونك عما في تعاطيهما، بدليل قوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}، {وَإِثْمُهُمَآ} وعقاب الإثم في تعاطيهما {أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} وهو الالتذاذ بشرب الخمر والقمار، والطرب فيهما، والتوصل بهما إلى مصادقات الفتيان ومعاشرتهم، والنيل من مطاعمهم ومشاربهم وأعطياتهم، وسلب الأموال بالقمار، والافتخار على الأبرام. وقرئ: {إثم كثير}- بالثاء- وفي قراءة أبيّ: {وإثمهما أقرب}. ومعنى الكثرة: أن أصحاب الشرب والقمار يقترفون فيهما الآثام من وجوه كثيرة {العفو} نقيض الجهد؛ وهو أن ينفق مالاً يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع، قال:
خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي

ويقال للأرض السهلة: العفو. وقرئ بالرفع والنصب.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنّ رجلاً أتاه ببيضة من ذهب أصابها في بعض المغازي فقال: خذها مني صدقة، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأتاه من الجانب الأيمن فقال مثله فأعرض عنه، ثم أتاه من الجانب الأيسر فأعرض عنه؛ فقال: هاتها مغضباً، فأخذها فخذفه بها خذفاً لو أصابه لشجه أو عقره، ثم قال: يجيء أحدكم بماله كله يتصدّق به ويجلس يتكفف الناسا إنما الصدقة عن ظهر غنىً».
{فِى الدنيا والأخرة} إمّا أن يتعلق بتتفكرون، فيكون المعنى: لعلكم تتفكرون فيما يتعلق بالدارين؛ فتأخذون بما هو أصلح لكم؛ كما بينت لكم أنّ العفو أصلح من الجهد في النفقة، أوتتفكرون في الدارين فتؤثرون أبقاهما وأكثرهما منافع. ويجوز أن يكون إشارة إلى قوله: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} لتتفكروا في عقاب الإثم في الآخرة والنفع في الدنيا. حتى لا تختاروا النفع العاجل على النجاة من العقاب العظيم.
وإمّا أن يتعلق {يبين} على معنى: يبين لكم الآيات في أمر الدارين وفيما يتعلق بهما لعلكم تتفكرون، لما نزلت {إِنَّ الذى يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً} [النساء: 10] اعتزلوا اليتامى وتحاموهم وتركوا مخالطتهم والقيام بأموالهم والاهتمام بمصالحهم، فشق ذلك عليهم وكاد يوقعهم في الحرج. فقيل {إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} أي مداخلتهم على وجه الإصلاح لهم ولأموالهم خير من مجانبتهم {وَإِن تُخَالِطُوهُمْ} وتعاشروهم ولم تجانبوهم {ف} هم {إخوانكم ْ} في الدين، ومن حق الأخ أن يخالط أخاه، وقد حملت المخالطة على المصاهرة {والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح} أي لا يخفى على الله من داخلهم بإفساد وإصلاح فيجازيه على حسب مداخلته، فاحذروه ولا تتحروا غير الإصلاح {وَلَوْ شَاء الله لاعْنَتَكُمْ} لحملكم على العنت وهو المشقة وأحرجكم فلم يطلق لكم مداخلتهم.
وقرأ طاوس: {قل إصلاح إليهم}. ومعناه إيصال الصلاح وقرئ: {لعنتكم}، بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على اللام، وكذلك {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}. {إنالله عَزِيزٌ} [البقرة: 173] غالب يقدر على أن يعنت عباده ويحرجهم ولكنه {حَكِيمٌ} لا يكلف إلا ما تتسع فيه طاقتهم.